القوميون والبعثيون والقرون الوسطى
عبدالله الهريشات
شعارات القوميين العرب والبعثيين التي كانت مرفوعة على ما يدورعدة عقود وحكمت بالدم والنار في عدة بلدان سقطت جميعها وها نحن نشهد سقوط اخر معقل لها في سوريا الحبيبة حيث كنا نرى في شعاراتهم انهم منقذوا وباعثوا امجاد الامة وهم موحدوها ومحيوا نهضتها وقد خدعت بهم اجيال من ابناء الامة اذ تبين لاحقا بعد حكمها وتجربتها ان هناك بونا شاسعا بل تضاد وتناقض مابين الفكرة والشعارات والاقوال وما بين التطبيق والواقع والافعال .
لقد حاول القوميون والبعثيون جهدهم في الوحدة العربية والتحرير والمقاومة والممانعة ولكن بوصلتهم انحرفت لما صار بيدهم الامر والحكم وبدت الفرقة بدل الوحدة وبدت الحزبية الضيقة بدل استقطاب وتلاقح الافكار وبدا التقاتل مع باقي الاحزاب وتحريمها وتجريم واعدام اهلها بدل التعاون والمشاركة وبدت الطائفية والعائلة والتوريث والاكراه بدل الحرية في الاختيار وظهر التجبر والطغيان بدل العدل والاحسان وتناسوا المبادئ الاساسية التي من اجلها قاموا اذ ركب موجتهم ذوو مصالح وسقط اولو امرهم في الفتنة والعمالة فتنكروا لمبادئهم وشعوبهم وامتهم فضاعوا واضاعوا وصاروا على شعوبهم وعلى الامة اشد واعتى من اعدائها عليها، وانقلب الرعاة ذئابا واستأسدت على الامة الكلاب من الاعراب والاغراب ولأتفه الاسباب .
لازال في امتنا من حكامها ومفكريها واحزابها وبعض حركاتها لازالوا يعيشون عقلية القرون الوسطى وعقلية الحزبية الضيقة وهؤلاء ابدا لا ولن يكونوا من رواد نهضة الامة وبناة حضارتها ، فعلينا ان نتفق على اسس بناء ومكونات حضارتنا لننطلق ونفتح اعيننا المغمضة ونفتق اذهاننا وعقولنا على باقي الحضارات الانسانية وان ناخذ منها ما يزيدنا قوة وعلما وحكمة والا نعادي الا من يعادينا والا نعتدي الا على من اعتدى علينا وان نوحد صفوفنا ونكرم الانسان وحريته ونرسي المساواة والعدل في اوطاننا وفي انفسنا واهلينا من قبل .
ان الحضارة الانسانية لا تقوم على عنصرالعرب وحدهم كما يدعي القوميون –وان كان العرب عنصرا هاما فيها- فالقوميون العرب يتخبطون فيتهمون العثمانيين بالاحتلال وبشتى انواع التهم، والعثمانيون هم من وحدوا وحفظوا البلاد العربية وفلسطين والقدس من الاحتلال وفعل وقول السلطان عبدالحميد خير شاهد وبسبب مواقفه تلك تم خلعه ونفيه، وما اضاع البلاد العربية وفلسطين والقدس واضاع الخلافة العثمانية الا جمعيات مأجورة ماسونية وصهيونية وقوميون من ترك واتاتورك ومن عرب وثورتهم العربية الكبرى وتآمر الغرب مع يهود الدونمة على العتمانيين وعلى امتنا والتي جزء منها هؤلاء العثمانيون المسلمون، وبدل ان يساند المسلمون والقوميون العرب الخلافة العثمانية ويصلحوا شأنها ويحاربوا من تآمرعليها فقد اجهزوا مع من تآمر عليها وبذلك اقترفوا اكبر جريمة في ذلك العصر، والعثمانيون هم من حملوا الاسلام وفتحوا اوروبا والقسطنطينية وكوسوفو والبوسنة والهرسك والبانيا وغيرها وهم من صدوا وانهوا الامبراطورية البيزنطية وقدموا حضارة الاسلام للغرب ومن اراد ان يستزيد فعليه ان يرجع للتاريخ ،وهم من بنوا الخط الحديدي الحجازي للحجيج وغيره من معالم فربطوا الجزيرة العربية باوروبا ونحن في عمان لازلنا لا نستطيع عمل خط سريع في شارع الجامعة فخربوا ونهبوا واصبحت حركة السير بطيئة معجوقة، فماذا قدم البعثيون والقوميون والناصريون والشيوعيون وما هي فتوحاتهم للامة المسلمة وحضارتها غير الحروب والنكبات والقتل والدمار والطغيان وتشريد وسجن واعدام مفكريها واحرارها والتفرد في الحكم والتوريث واستعباد الشعوب؟.
ان حضارتنا ليست لنا وحدنا العرب فهي عالمية صبغتها اسلامية مؤمنة بالله موحِدة له وموحَدة و تعددية، متعددة الالوان واللغات والثقافات فيها العرب والعجم والابيض والاسود والاصفر والاحمر وفيها الغني والفقير والعبد والحر والامير والاشعث الاغبر، فمن ارادها غير ذلك فقد اخطأ وهلك واهلك، فمن ارادها قومية وبعثية فليذهب الى ابي جهل وابي لهب ومن ارادها شيوعية فليذهب الى لينين وماركس وموسكو وبكين ومن ارادها امبريالية متغطرسة فليذهب الى واشنطن .
لقد اخذ القوميون والبعثيون فرصتهم ودورهم في الحكم وانتهت حقبتهم بنكبات ونكسات واحتلال وقتل وسجن وتعذيب وتشريد لاحرار الامة وان على الاسلاميين وغيرهم ان يستفيدوا من تجارب تلك الحقبة وان على من يتسلموا زمام الامور من بعد الربيع العربي ان يستجيبوا لمطالب الشعوب في الحرية والعدالة والمساواة وان يحققوا امالهم في الوحدة كائنا من يكونون اسلاميين كانوا او قوميين او من تختارهم وترتضيهم الشعوب بحرية وبلا تزوير وترهيب، وان يتحرروا من افكار القرون الوسطى والحقبة التي مرت على امتنا من الحزبية البغيضة والفرقة والطائفية اللعينة والفتنة والقتل والحزب الواحد او الطائفة او العائلة والتوريث وان نسهم في بناء الحضارة الانسانية لنكون في مصاف شعوب الامم الاخرى ورواد الانسانية في الخير والسلام جنبا الى جنب مع الحضارات الانسانية الاخرى.
No comments:
Post a Comment